.
عندما ينهزم"جيش الدفاع" في الميدان, يتحول فجأة إلى هولاكو حديث العهد. لا استراتيجيات عسكرية ولا معارك شرف, بل قصف عشوائي وانتقام أعمى, كأن خسائره في الخيام و شمع و بنت حبيل لا تُداوى إلا بدماء الأبرياء.
يُذكرنا هذا المشهد بسيرة ذاك المغولي العاتي, هولاكو, الذي كان إذا خسر معركة, يهرع إلى قرى خصومه, يحرقها, ويذبح نساءها وأطفالها, كأن الأنين البريء يطهر هزيمته.
إسرائيل, تماماً كهولاكو, لا تُجيد تقبل الخسائر. حين تصدها بضعة قرى حدودية تنفجر غضباً. لا تستطيع أن تفهم كيف تجرؤ أرض صغيرة وأبنية متواضعة على الصمود أمام قوتها الحديدية و جيشها الذي لا يُهزم. فتقرر, بحقد هولاكو نفسه, أن ترد بتدمير كل شيء: البيوت على رؤوس ساكنيها, الحقول التي لا تعرف سوى العطاء, وحتى الأحجار التي لا علاقة لها بالحرب.
هولاكو العبري لا يرى المدنيين مدنيين, بل يرى فيهم هدفًا للإنتقام, فهؤلاء -برأيه- الحاضنة التي تجرأت على منح المقاومين أسباب البقاء.
وكما كان هولاكو يقتحم القرى الآمنة ليغسل هزيمته في دماء الأبرياء, تهرع إسرائيل إلى صب حقدها على النساء والأطفال والشيوخ, لأنهم, في عرفها, جزء من المشكلة التي يجب إقتلاعها.
لكن الفرق بين هولاكو وإسرائيل هو الإدعاء. هولاكو لم يخفِ وجهه الحقيقي, كان صريحًا في وحشيته, فخوراً بجبروته. أما إسرائيل, فتلبس قناع "الجيش الأخلاقي", وتدّعي أنها تُحذر قبل القصف, كأن رسائل الموت التي ترسلها تُخفف من وطأة الجريمة.
وتماماً كما سقطت إمبراطورية هولاكو, فإن مَن يمارس الوحشية لا يمكنه أن يصمد إلى الأبد. الخراب الذي تخلفه إسرائيل في الضاحية و البقاع و قرى الجنوب, من الخيام إلى شمع إلى بنت جبيل و ما بعدها, ليس دليل قوة, بل دليل عجز. فلا الجدران المهدمة ولا الأرواح المسفوحة ستُنسيها خسائرها في الميدان, ولن يمحو الدم عجزها عن تحقيق نصر حقيقي.
في النهاية, كما انتصر التاريخ على هولاكو, سيُعيد لبنان كتابة حكايته.
ستنهض القرى من الركام, وسيبقى الحقد الذي يمارسه هولاكو العبري شاهدًا على فشله. والنساء اللواتي حاول سحقهن سيغنين للإنتصار, والأطفال الذين أراد أن يُخيفهم سيكبرون ليهدموا كل أسطورة زائفة.